لو حابب تاخد فكرة سريعة عن سجن صيدنايا ببساطة.. هقولك .. صل على النبي

لو حابب تاخد فكرة سريعة عن سجن صيدنايا ببساطة.. هقولك .. صل على النبي

تخيل معايا مكان مش مجرد سجن، ده كان مصنع للرعب ومسلخ بشري بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إحنا بنتكلم عن سجن صيدنايا، اللي عاش فيه آلاف المعتقلين السوريين تحت أسوأ ظروف ممكنة، وشافوا فيه بلاوي  وكل أنواع القهر والظلم.

في الأول، السجن ده ما كانش مختلف عن أي منشأة عسكرية. حافظ الأسد بناه سنة 1987 عشان يبقى مكان لاحتجاز المعارضين السياسيين، خصوصًا الضباط اللي اتهموا بالخيانة. لكن مع الوقت؟ المكان ده تحول لجحيم مفتوح، هدفه الأساسي تكسير الروح البشرية، و خلال الثمانينيات ذروة الصراع الدموي بين النظام والإخوان المسلمين، تحوّل صيدنايا إلى مركز للتنكيل والقتل. السجناء، بغض النظر عن التهمة، كانوا بيشوفوا كل ألوان العذاب.. أساليب تعذيب وحشية مش هدفها العقاب وبس، بل لإذلالهم وتجريدهم من إنسانيتهم.

خلينا أقولك إن الحياة في صيدنايا كانت أسوأ من الموت // المعتقلين بيتعرضوا لدرجات حرارة جنونية، مرة شديدة السخونة ومرة شديدة البرودة. // الزنازين مزدحمة جدًا، مفيش مكان تنام فيه، ولا حتى أدنى مقومات النظافة // التعذيب كان يومي، جسدي ونفسي، بدون لحظة راحة.

موقعه في منطقة جبلية شمال دمشق، بعيد عن أي محاولة إنقاذ أو تعاطف شعبي، زنازين تحت الأرض، معزولة تمامًا، تخيل كده انك بنيت مبنى كامل من ١٢دور مثلا وتزرعه في حفرة بحيث انك تشوف من سطح الأرض دورين فقط والباقي تحت الأرض مدفون .. سجن مستحيل حد يقدر يهرب منه وسيبك بقى من سجون إسرائيل وروسيا و أمريكا والأفلام اللي بتتكلم عن اصعب السجون في العالم .. ده سجن من نوع تاني اللي صممه الشيطان بذات نفسه.

السجن ده مش زي أي مكان. إحنا بنتكلم عن منشأة مصممة من أولها لآخرها عشان تسحق الإنسان نفسيًا وجسديًا. فيه قسمين رئيسيين..

المبنى الأحمر: مصنع القهر.. المبنى ده كان للمعتقلين اللي تم اعتقالهم بعد الثورة سنة 2011 تصميمه عبارة عن قسم مركزي تتفرع منه 3 ممرات، زي ما الحراس والمعتقلين كانوا بيسموه إطار المرسيدس.. فيه غرف تحت الأرض مشفرة بأرقام سرية، ولو فكرت تسأل عن اللي ورا الأبواب دي؟ الأعداد كبيرة، والجثث محفوظة في غرف ملح لأن مفيش برادات تستوعب العدد المهول.

المبنى الأبيض: سجن الضباط.. ده كان للضباط والجنود المعتقلين، ومعظمهم تم احتجازهم برضه بعد الثورة, تصميم المبنى على شكل حرف “L”، وعدد الناجين منه أكبر شوية مقارنة بالمبنى الأحمر.

في صيدنايا، التعذيب مش مجرد عقاب.. ده أسلوب حياة!. لو حبيت تتخيل بعض أنواع التعذيب (الدولاب) المسجون بيتحشر جوا إطار عربية ويتضرب لحد ما يغمى عليه، (الكرسي الألماني) أداة جهنمية بتشد العمود الفقري بطريقة ممكن تسبب شلل، (الصعق الكهربائي) تيارات كهربائية بتشل الجسم، بس بتسيب الألم حي وبيكبر.. وكل ده كان جزء من منظومة هدفها مش بس القضاء على المعتقلين، لكن إنها تكسر أي فكرة عن المقاومة في سوريا.

كل يوم في موت .. الموت بالليل والنهار.. تخيل معايا إن الإعدام كان شبه حدث يومي في صيدنايا / تقارير منظمة العفو الدولية بتقول إن حوالي 13 ألف شخص أُعدموا بين 2011 و2016.

في صيدنايا، الموت مش بيجي فجأة. لا.. المعتقلين بيعيشوا رحلة رعب قبل ما يلاقوا نهايتهم، الموضوع بيبدأ في محكمة الميدان العسكرية .. المحاكمة لمدة دقيقة لدقيقتين بالكثير، والنتيجة دائمًا واحدة: إعدام.

الإعدامات بتتم مرتين كل أسبوع في المبنى الأحمر، كل مرة بيتعدم فيها ما بين 20 لـ50 معتقل، وده مش رقم عشوائي، الجثث بعدها بتتحمل على شاحنات لمستشفى عسكري عشان تتسجل، وبعد كده بتترمي في قبور جماعية.

في 8 ديسمبر 2024، وبعد سقوط نظام بشار الأسد وهروبه لروسيا، قوات التحرير السورية اقتحمت سجن صيدنايا.

المشهد كان أشبه بفيلم درامي بحيث ممكن تشوف عدة مشاهد // سجناء خرجوا وهم مش مصدقين إنهم أحيا // عائلات المعتقلين واقفة عند بوابات السجن، منتظرة أي خبر عن أحبائهم // ناس كانت فاكرة إن حافظ الأسد لسه حي، لأن الزمن وقف بالنسبة لهم في دهاليز صيدنايا.

في نفس الوقت مشاهد إطلاق سراح بعض السجناء من داخل السجن والحالة المزرية اللي كانوا فيها، وأيضا مقاطع الفيديو اللي اتسربت منه لحبال الإعدام ومكابس الإعدام الحديدي التي كان يستخدمها النظام لسحق اللي عليه الدور في الإعدام، ده غير عدد غير معروف من المساجين تحت الارض في القاع المميت ولسه عمليات البحث عن البوابات السرية يمكن نلاقي آلاف المفقودين في سجون النظام ومحدش يعرف عنهم من زمااااان.

رغم إن صيدنايا اتحرر، الأسئلة الكبيرة لسه موجودة .. فين العدالة؟ الجرائم اللي حصلت في السجن ده ما ينفعش تعدي كده وخلاص كل اللي شاركوا فيها لازم يتحاكموا // اللي نجا بنفسه من السجن ده اتولد من جديد .. الناس دي مش بس محتاجين دعم نفسي، لكن كمان أصواتهم لازم تُسمع عشان ما يتكررش اللي حصل. صيدنايا كان رمز للوحشية والقهر اللي عاشته سوريا لفترة طويلة.

النهاردة، السجن ده اتفتح لأول مرة، لكنه سبّب جروح عميقة مش هتخف بسرعة. السؤال دلوقتي: هل سوريا هتقدر تبني مستقبلها بعيد عن الظلام ده؟

اللي حصل في صيدنايا مش مجرد قصة مؤلمة في تاريخ سوريا. ده دليل حي على بشاعة نظام قمعي استخدم كل وسيلة ممكنة لتدمير شعبه. النظام سقط، لكن السؤال.. هل هييجي اليوم اللي يتحاكم فيه اللي شاركوا في الجرائم دي؟ ولا صيدنايا هيفضل رمز لصمت العالم عن أسوأ فصول التاريخ؟

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *